تُعرف مشكلة الفصل بين الكائن1 والواجب (بالإنجليزية: Is-ought problem) بأنها إشكالية فلسفية طرحها الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم في كتابه «رسالة في الطبيعة البشرية» عام 1739. تتعلق هذه المشكلة بكيفية الانتقال من القضايا الوصفية التي تتحدث عن ما هو كائن (is) إلى القضايا المعيارية التي تحكم على ما يجب أن يكون (ought). يرى هيوم أن هذا الانتقال يتم غالبًا دون مبرر منطقي واضح، مما يثير تساؤلات حول الأسس العقلية للأحكام الأخلاقية.
لماذا هذا الانتقال غير مبرر؟
هيوم يرى أن هناك فرقًا جوهريًا بين نوعين من القضايا:
- قضايا وصفية : تخبرنا بما هو موجود في الواقع، مثل:
- «الإنسان كائن اجتماعي.»
- «بعض الأفعال تسبب الألم.»
- «هناك تفاوت اقتصادي بين الناس.»
- قضايا معيارية: تخبرنا بما يجب أن يكون، مثل:
- «يجب على الإنسان أن يكون عادلًا.»
- «يجب علينا تجنب الأفعال التي تسبب الألم.»
- «يجب تحقيق المساواة الاقتصادية.»
هيوم يقول إنه لا يمكن للقضايا الوصفية أن تنتج قضايا معيارية بمفردها. أي أنه لا يمكننا الانتقال من وصف العالم كما هو، إلى إصدار حكم أخلاقي حول ما ينبغي أن يكون، دون تقديم مبرر إضافي يفسر هذا الانتقال.
الخلفية الفلسفية
تُعد هذه المشكلة جزءًا من النقاش الأوسع حول الأساس الفلسفي للأخلاق، حيث تنقسم الآراء إلى تيارات رئيسة:
- العقلانيون الأخلاقيون، الذين يرون أن الأخلاق يمكن اشتقاقها من مبادئ عقلية بحتة، مثلما ذهب إليه الفلاسفة من أمثال أفلاطون وديكارت.
- التجريبيون الأخلاقيون، ومنهم هيوم نفسه، الذين يعتبرون أن الأخلاق تستند إلى العواطف والانفعالات أكثر من كونها ناتجة عن استدلال عقلي مجرد.
تحليل نص هيوم
في القسم الثالث من كتابه رسالة في الطبيعة البشرية، يلاحظ هيوم أن معظم الفلاسفة الأخلاقيين يبدأون بتحليل الواقع مستخدمين العبارات الوصفية المعتادة مثل «يكون» (is) و«لا يكون» (is not)، ثم ينتقلون فجأة إلى عبارات معيارية مثل «يجب» (ought) و«لا يجب» (ought not)، دون تقديم تبرير منطقي لكيفية حدوث هذا الانتقال. يقول هيوم:
«لا أستطيع أن أمتنع عن إضافة ملاحظة إلى هذه الاستدلالات قد يجدها البعض ذات أهمية ما. في جميع أنظمَة الأخلاق التي صادفتها حتى الآن، لاحظتُ دائماً أن الكاتب يسير لفترةٍ ما بطريقة الاستدلال الاعتيادية، ويُثبِت وجود إله، أو يقدم ملاحظات حول الشؤون الإنسانية؛ ثم فجأة أجد نفسي مندهشًا عندما ألاحظ أنه بدلاً من الروابط المعتادة «يكون» و«لا يكون»، لا أجد أي قضية إلا وتكون مرتبطة بــ «يجب» أو «لا يجب». هذا التغير غير محسوس، لكن له مع ذلك عواقب جسيمة. فبما أن «يجب» أو «لا يجب» تُعبّر عن علاقة جديدة أو تأكيد ما، فإنه من الضروري أن تُلحَظ هذه العلاقة وتُشرح، وفي الوقت نفسه يُقدَّم سببٌ لما يبدو غير مُتصوَّر تماماً: أن تكون هذه العلاقة مستنتجةً من علاقات أخرى مختلفة عنها كلياً. لكن نظرًا لأن المؤلفين لا يتبعون غالباً هذه الاحتياطية (في الاستدلال)، أسمح لنفسي بتوصية القارئ بها، وأنا مقتنع بأن هذا الانتباه البسيط سيدمّر كل الأنظمة الأخلاقية الشائعة وسيُظهر لنا أن التمييز بين الرذيلة والفضيلة ليس مبنيّاً ببساطة على العلاقة بين الأشياء ولا يُدرَك بالعقل.»
يشير هيوم هنا إلى أن هذا التحول غير المبرر قد يؤدي إلى استنتاجات أخلاقية غير مدعومة بمنطق قوي. ونتيجة لذلك، يخلص إلى أن التمييز بين الفضيلة والرذيلة لا يمكن أن يُستمد من العقل وحده، بل يعتمد على العواطف والمشاعر الإنسانية.
التأثير الفلسفي
أثرت مشكلة الفصل بين الكائن والواجب تأثيرًا عميقًا في الفلسفة الأخلاقية الحديثة، وكان لها دور كبير في ظهور تيارات أخلاقية جديدة، منها:
- التجريبية الأخلاقية، التي ترى أن الأحكام الأخلاقية تستند إلى المشاعر والتجارب الإنسانية وليس إلى العقل المجرد.
- المذهب اللاوضعي الأخلاقي، الذي يؤكد أن القضايا الأخلاقية ليست قضايا موضوعية يمكن إثباتها منطقيًا أو تجريبيًا.
كما أدت هذه المشكلة إلى طرح مزيد من الأسئلة حول طبيعة الأخلاق، وأثرت في تطور نظرية العقد الاجتماعي عند فلاسفة مثل جون راولز، وكذلك في فلسفة اللغة عند فلاسفة مثل جورج إدوارد مور الذي قدم مفهوم المغالطة الطبيعية (Naturalistic Fallacy)، الذي يرتبط بمشكلة هيوم من حيث التحذير من اشتقاق القيم الأخلاقية من حقائق وصفية بحتة.
هامش
- كائن هنا بمعنى ما هو موجود. ↩︎