وفقًا لكانط، الحكم التأليفي القبْلي هو حكم يزودنا بمعلومة جديدة (تأليفي) بشكل مستقل عن التجربة (قبْلي)، ويضم كانط القضايا الرياضية والهندسية وما شاكلها إلى زمرة الأحكام التأليفية القبلية، ضاربًا مثالًا يزعم فيه أن القضية «7+5=12» ليست مجرد حكم تحليلي، ذلك أنه لا شيء في «حاصل جمع سبعة وخمسة» يُفكّر منه الأُفهوم1 «12». وهذا على العكس من الأحكام التحليلية، على غرار «كل العُزّاب غير متزوجين»، حيث المحمول2 «غير متزوجين» مشتمل عليه في أُفهوم الحامل «العُزّاب».
التأليفي والتحليلي بالنسبة3 لكانط
التميز بين التأليفي والتحليلي بالنسبة لكانط ينطلق من جهتين:
- التمييز الدلالي: ويكون مبنيًا على الاشتمال:
- التحليلي: هو حينما يكون المحمول مشتمل عليه في أفهوم الحامل. مثال: «كل الأجسام ممتدة4». هنا، الامتداد مقترن بالأجسام.
- التاليفي: هو حينما لا يكون المحمول مشتمل عليه في أفهوم الحامل. مثال ذلك: «كل الأجسام ثقيلة»، المحمول «ثقيل» ليس مشتمل عليه في الحامل «كل الأجسام»، أي أنه لا يُفكّر منه الثقل، ليس الثقل مقرونًا بكل الأجسام.
- التمييز المعرفي: ويكون مبينًا على مدى توضيح أو توسعة المعرفة.
- التحليلي: هو الذي يوضح ولا يضيف معرفة جديدة.
- التأليفي: هو الذي يوسع المعرفة.
لقد ارتبط مفهوم «قبلي»، في العادة، بالأحكام التحليلية، وارتبط «بعدي» بالأحكام التأليفية. غير أن كانط أتى بشيء مخالف للعادة، فجمع بين «التأليفي» و«القبلي»، وهو جمع قد يبدو منافيًا للعقل؛ إذ كيف يمكن للأحكام التأليفية، التي ترتبط بحالة العالم الخارجي الذي لا يمكن الولوج إليه إلا عبر التجربة الحسية، أن تكون «قبلية»، بمعنى سابقة للتجربة؟ كان حل كانط يكمن في مفهومه المحوري «الحدس». بيد أن الحدس يعتمد على التجربة أيضًا، ولهذا كان على كانط أن يشق المفهوم إلى نصفين: «الحدس المحض» من شق، و«الحدس التجريبي» من شق آخر، حيث يرتبط الأخير بالتجارب الحسية الفعلية. في حين يشكل السابق بنية قبلية من الزمان والمكان، حيث يبني المكان إدراكنا لموضوعات العالم الخارجي من حيث العلاقة بين المسافة والموضع. في حين يبني الزمان الأحداث من حيث تعاقبها.
إذاً يرى كانط أن القضية «7+5=12» هي حكم تأليفي. أي أنها تزودنا بمعلومة جديدة (12)، ولكنها في الوقت ذاته قبلية، أي مستقلة عن التجربة. وهذا النوع من الحكم التأليفي القبلي يخضع لمبدأ الحدس المحض. وسيّان هو الأمر لكل القضايا الرياضية والهندسية وما كان على شاكلتهما، كالمبادىء الفيزيائية المحضة، مثل، «المادة لا تفنى ولا تستحدث؛ بل تتحول من شكل إلى آخر».
الهامش
- في سياق فلسفة كانط، يفضل استخدام «أفهوم» على «مفهوم»، لأن الأخير على وزن مفعول، وهو ما يتعارض مع فلسفة كانط، الذي يراه بوصفه فعل تفكير. ↩︎
- المحمول يعني ما قيل عن الحامل. والحامل هو مَن أو ما هو المقصود في الجملة. ↩︎
- نقول بالنسبة لكانط، لأنه قد يختلف المفهومان من فيلسوف إلى آخر. ↩︎
- ممتدة، هنا بمعنى أنها تشغل حيزًا مكانيًا. ↩︎