تُعدّ «حركة ماغا» موجة سياسية واجتماعية معاصرة، تجاوزت كونها مجرّد شعار انتخابي لتتحول إلى تيار فكري وحركي واسع التأثير، يتمحور حول فكرة مركزية: «لنجعل أميركا عظيمة مجددًا» (MAGA: Make America Great Again)، وهو شعار يعود أول ظهور إلى 1980 في خطاب للرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، وثم عاود الظهور للمرة الثانية في عام 1992 اثناء حملة بيل كلينتون. إلا أن حركة ماغا وشعارها ارتبطت بشكل وثيق بشخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ولم تكن نتاج لحظة عابرة، بل تجسيدًا لتحولات بنيوية في الوعي السياسي الأمريكي، أفرزها تراكب أزمات اقتصادية، ثقافية، وهوياتية، دفعت بجزء معتبر من الأمريكيين إلى البحث عن يقين سياسي بديل للمنظومة التقليدية.
النشأة والتحول إلى حركة
انطلقت شرارة «ماغا» سنة 2015 مع إعلان دونالد ترامب ترشحه للانتخابات الرئاسية، مستندًا إلى خطاب مباشر وصدامي، يتحدى الأعراف السياسية السائدة، ويعِد باسترجاع ما وصفه بـ«المجد الأمريكي». غير أن ما بدأ كشعار حملة انتخابية تحوّل، في غضون أشهر، إلى نواة حراك اجتماعي متماسك، اجتمع حوله ملايين الأمريكيين من مختلف الفئات، وخصوصًا من الطبقة العاملة البيض، الذين شعروا بأنهم مهمّشون في ظل العولمة وتبدلات القيم الثقافية.
السمات الفكرية والإيديولوجية
تتسم حركة ماغا بخليط معقد من الأفكار المحافظة، والمواقف الشعبوية، والنزعات القومية. فهي ترفض النخب السياسية والإعلامية، وتُبدي تشكيكًا متكررًا في المؤسسات، وتعتمد على الخطاب المباشر واللغة المتحررة من أعراف الصوابية السياسية. وتُقدّم تصورًا للاستعراف الوطني يقوم على فكرة الانكفاء على الذات، والارتكاز على مفهوم «أمريكا أولاً»، حيث تحظى السيادة الوطنية، والحدود، والهوية الثقافية، بالأولوية القصوى.
الاقتصاد والهجرة والثقافة: قضايا محورية
تركزت أجندة حركة ماغا حول ثلاثة محاور رئيسية:
- الاقتصاد القومي: من خلال الدعوة إلى الحمائية، وإعادة الصناعات الأمريكية من الخارج، والتقليل من الاعتماد على الصين.
- مكافحة الهجرة غير النظامية: عبر بناء الجدران الحدودية، وتشديد قوانين الهجرة، وربط المهاجرين بارتفاع معدلات الجريمة والبطالة.
- الهوية الثقافية: برفض ما تعتبره الحركة «الغزو الثقافي الليبرالي»، وشن هجمات ضد التعليم التقدمي، وحركات العدالة العرقية، واللغة الشاملة.
التنظيم والديناميات الاجتماعية
على الرغم من غياب بنية تنظيمية تقليدية للحركة، فإنّ «ماغا» اعتمدت على شبكة لامركزية من المؤيدين، والإعلاميين، ومنصات التواصل الاجتماعي، التي لعبت دورًا محوريًا في نشر أفكار الحركة وتعبئة الجماهير. كما أُنتج حولها نوع من «الثقافة السياسية الموازية» تمظهرت في الأزياء والرموز والشعارات، وأبرزها القبعة الحمراء التي كادت تغدو علمًا رمزيًا للحركة.