الكِمتية (وتُكتب كذلك: الكيميتية أو الكيمتية) نزعة قومية قُطرية متطرفة، برزت في مصر المعاصرة وإن كانت جذورها تمتد إلى تصورات أقدم. تدعو هذه الحركة إلى بعث ثقافي يقوم على استعادة روح الحضارة المصرية القديمة حصرًا، وترفض في المقابل الانتماءات الثقافية والدينية اللاحقة، ولا سيّما الهوية الإسلامية والعربية. وقد وجد دعاة الكمتية في منصات التواصل الاجتماعي ساحةً رحبة لنشر أفكارهم والترويج لخطابهم، الذي يتسم غالبًا بالحدة والإقصاء.
منذ تولي عبد الفتاح السيسي الحكم، شهدت مصر تصاعدًا ملحوظًا في الخطاب الرسمي والثقافي الذي يُغذّي مثل هذه النزعات، سواء عن قصدٍ أو بغيره، من خلال التركيز المتكرر على أمجاد مصر القديمة بوصفها جوهر الهوية الوطنية. ويُلاحظ أن أنصار الكمتية يتبنون نظرة استعلائية تجاه الثقافات والحضارات الأخرى، إذ يرون في الحضارة المصرية القديمة ذروة التفوق الإنساني ومصدر الفخر الأسمى.
ويتجلّى في خطابهم تقسيم تمييزي واضح بين من يصفونهم بـ«أبناء الحضارة» و«أبناء البداوة»، حيث يشنّون حملات منظمة في الفضاء الرقمي تُحقّر من المجتمعات البدوية والعربية، في مقابل تمجيد الذات المصرية القديمة باعتبارها الوريثة الشرعية لأعرق حضارات التاريخ.
التأثيل (أصل الكلمة)
كلمة «كِمِت» (تُكتب بالهيروغليفية: 𓆎𓅓𓏏𓊖، وتنقل صوتيًا: km.t) هي الاسم الأصلي الذي أطلقه المصريون القدماء على بلادهم، وقد استُعمل منذ أقدم العصور وحتى نهاية الدولة الحديثة. وتعني حرفيًا «البلاد السوداء» أو «الأرض السوداء».
الانتقادات الموجهة للكمتية
1. تجاهل الهويات الأخرى وإثارة الصراع الهوياتي
تُنتقد الكمتية لتركيزها الضيق على الهوية المصرية القديمة دون غيرها، مما يؤدي إلى صراعات مجتمعية:
- التركيز الحصري على الهوية الفرعونية: تتميز الكمتية كظاهرة حديثة نسبياً بـاستحضار هوية معينة في الماضي، وهي الهوية الفرعونية فقط، وتجاهلها عن عمد لهويات أخرى كانت تشكل جزءاً من الهوية المصرية، مثل الحضارة الإسلامية المرتبطة بدين غالبية السكان.
- مواجهة الهويات الحديثة: تناصر الكمتية الهوية المصرية القديمة (الفرعونية) في مواجهة الهويات العربية والأفريقية الحديثة، مما يخلق صراعاً حول الهوية المصرية.
- النزوع الطبقي والعنصري: تحمل الكمتية نزوعاً طبقيًا وعنصريًا ودونيًا لا تخطئه العين.
- اضطهاد على أساس الشكل: يمكن أن تمتد نتائج الكمتية إلى تفتيت الطبقة العاملة حتى داخل البلد الواحد من خلال اضطهاد المصريين ذوي الأصول البدوية أو البشرة السمراء لافتقادها للكود الشكلي المتخيل للفراعنة.
2. غطاء أيديولوجي للتناقضات الطبقية
يُنظر إلى الكمتية باعتبارها أداة أيديولوجية تعمل على إخفاء الصراعات الحقيقية في المجتمع الحديث:
- إخفاء الاستغلال الطبقي: تُمثل الكمتية «ورقة توت» أو غطاء أيديولوجيًا لإخفاء التناقضات الطبقية. فهي تضفي انسجاماً شكلياً على علاقات طبقية متناقضة من خلال الرجوع إلى حضارة ماضية والتغافل عما كان فيها من استغلال طبقي.
- تمجيد الطبقية الحديثة: إن الكمتية ليست إلا تمجيد للطبقية الحديثة من خلال استحضار الطبقية القديمة.
- تحويل مسار الصراع: يتم تحوير الصراع من صراع بين طبقة عاملة والبرجوازية ودولتها القمعية، إلى صراع لدولة قومية ذات صفاء عرقي ضد قوميات أخرى (قد تكون متخيلة) في محاولة لاستعادة مجدها السابق.
- تفتيت الطبقة العاملة: تعمل على تفريق أفراد الطبقة العاملة ذوي المصالح المشتركة وإعادة تجميعهم في تحالفات مع الدولة القمعية والجناح الأكثر رجعية في البورجوازية الصغيرة على أساس أوهام العظمة. وهذا ما يعتبر أخطر ما في الأمر.
3. الصبغة الفاشية والتوافق مع النظام القمعي
ظهرت الكمتية في سياق تاريخي معين واتسمت بسمات سياسية رجعية وقمعية:
- الصبغة الفاشية: اتسمت هذه النزعة الجديدة من استلهام الماضي بـصبغة فاشية تمجد الدولة واستعادة النظام كوسيلتين لاستعادة مجد قومي قديم.
- إقصاء الآخر: خلال عملية استعادة المجد المزعوم، يتم إقصاء الآخر سواء كان معارضًا سياسيًا، أو أقلية عرقية، أو جماعة فكرية مختلفة.
- تلاقى الاتجاهات: تلاقت الكمتية مع نظام قمعي يبحث عن شرعية لتبرير قمعه، حيث تسعى الكمتية إلى دولة صارمة تضمن تماسك النظام. وقد نشأت الكمتية في سياق يمزج بين معاداة الإسلام السياسي والمزاج الرجعي للبرجوازية الصغيرة المؤيدة للدولة في مواجهة الاضطراب بعد ثورة 25 يناير.
4. الشوفينية والعزلة ومناهضة اللاجئين
ترتبط الكمتية بخطاب شوفيني يدعو إلى الانغلاق على الذات واستبعاد الآخرين إقليميًا ومحلياً:
- الانغلاق الإقليمي: مرد تطور التصورات الفاشية للكمتية هو المطالبة بـدولة تنغلق على ذاتها وتنفصل تمامًا عن محيطها الإقليمي والعربي.
- رفض الأممية: تستبعد الكمتية أي تصور لـأممية النضال ضد سلطة رأس المال.
- تجاهل القضايا الإقليمية: تترافق أوهام العظمة مع دعاوى عدم الاكتراث بالقضية الفلسطينية أو بالشأن السوري والسوداني واليمني.
- تزايد كراهية اللاجئين: يترافق هذا الخطاب الشوفيني مع تزايد كراهية اللاجئين الذين يتم تقديمهم على أنهم السبب وراء كل مشاكل مصر.
- توجيه اللوم للضحية: يتم توجيه اللوم إلى اللاجئين (السوريون والسودانيون والفلسطينيون) بدلاً من توجيهه إلى النظام الرأسمالي الذي أنتج الفقر والخراب في هذه الدول. هذا الخطاب يتسبب في مواجهة اللاجئين «لتمييز ومضايقات وشعور بعدم الأمان».
إن الانتقاد الأساسي للكمتية هو أنها، كمرآة مشوهة، تعكس الماضي العظيم (الفراعنة) لـتبرير الحاضر الطبقي والقمعي، فبدلاً من أن تعمل على توحيد المضطهدين من الطبقة العاملة، تسعى إلى عزلهم وتفتيتهم على أساس قومي وعرقي متخيل.
مراجع
- حسين قطب، وحسن فارس. (2025، 5 نوفمبر). المتحف الكبير.. بين تلميع الفرعون وصناعة الهوية (1-2). الإشتراكي (الاشتراكيون الثوريون).
- حسين قطب، وحسن فارس. (2025، 8 نوفمبر). الكيميتية وجلابية المتحف الكبير (2-2). الإشتراكي (الاشتراكيون الثوريون).
